رحلة الآثام بقلم منال سالم
المرة التالتة!
لم يبد مباليا على الإطلاق بما فعل بل عاد لاسترخائه الأول كما كان وعلق
ولو حتى العاشرة أو المليون إنتي طالق.
ازداد صوت نحيبها فأمرها في غلظة
ويالا بقى من هنا وسبيني أنام...
سرعان ما تحولت نبرته للټهديد غير المتساهل عندما أكمل
ولا تحبي أرميكي برا خالص
ظنت أنه مقبل على تنفيذ ما قاله فقد سبق وفعل لهذا أثرت ألا تختبر صبره وفضلت التراجع عن مواجهته غير المجدية حاليا هرولت ركضا بعيدا عنه وهي تخاطب نفسها في إنكار متعاظم
سيطر عليها الخۏف بطريقة طاغية وتضاعفت الرجفات بها اختفت بداخل غرفة ابنها وأوصدت الباب بالمفتاح كأنما تخاف من احتمالية اقتحامه للغرفة وجرها للخارج استندت بظهرها المرتعش على إطار الباب الخشبي وهي تتساءل
طب هتصرف إزاي
تحولت عيناها الفزعتان إلى الفراش لترتكز على وجه طفلها النائم في سلام قبل أن ترتعش شفتاها هامسة باسمه
كانت قد بدأت تستغرق في نومها عندما تنبهت حواسها مع سماعها لصوت صرير باب الغرفة وهو يفتح اعتدلت في رقدتها لتنظر إلى زوجها الذي عاد لتوه من الخارج ألقى عليها التحية فردت عليه وسحبت منديل رأسها من على الكومود المجاور لها لتضعه حول شعرها المهوش عقدت طرفيه معا وهمهمت في استغراب
أنا قولت إنك هتبات هناك!
وأسيبك لوحدك
تعجبت من موقفه الغريب وردت عليه بتحير
ما إنت بتروح للموالد بتاعتك اللي في آخر الدنيا وبتفضل هناك بالكام يوم إيه الجديد يعني
أجابها متبسما
ده عشان خاطر أكل العيش بس إن كان عليا ماسبكيش لوحدك.
اعتبرت ما قاله نوعا
من التقدير المعنوي لصبرها فابتسمت له
ابتسامة مجاملة وكأن لكلماته التأثير عليها لكن ما لبث أن اختفت هذه الابتسامة الصافية لتتحول إلى العبوس وهو يخبرها
نظرت له مليا وبغير اقتناع كما لو كانت كذبته المكشوفة لا تنطلي عليها بينما تكلم عوض من غير أن ينظر نحوها
وبالأمارة سألت عليكي دي كانت عاوزة تشوفك!
لوت ثغرها مغمغمة في امتعاض
كمان
مد يده ليربت على ذراعها مؤكدا لها بما يخالف ما تضمره والدته حقا في قلبها ناحيتها
أومال مش مرات ابنها الغالية
ومن إمتى المحبة دي وهي مكانتش طايقني نهائي
قبل أن يفكر في التبرير الكاذب حذرته بلهجة جادة وبتعبير أكثر جدية عن صوتها
مالوش لازمة تقول حاجة محصلتش يا عوض أنا لسه فاكرة طريقتها كانت معايا إزاي!!
حاول التغطية على ادعائه غير الحقيقي بترديده
نظرت له مطولا فتنحنح مرة أخرى واستأذنها في حبور
مش هتقومي تحضري أكلة حلوة لينا من إيديكي خلينا ناكل ونتبسط سوا.
هزت رأسها بالإيجاب وهي تنهض من جواره استعدادا لذهابها
حاضر.
نفضة غريبة ضړبت أطرافه جعلته يفيق من سباته بصعوبة بالكاد استطاع تحريك ذراعه بعد هذا التنميل المزعج الذي أصابه ليقوم بعدئذ بحك مؤخرة عنقه محاولا تخفيف وطأة ذلك التيبس الذي حل كذلك
بفقراته بعدما غرق في نوم عميق على هذه الأريكة غير المريحة. استفاق مهاب تماما وطاف ببصره على ما يحيط به. اعتدل جالسا وتساءل وهو يتثاءب
هو أنا نمت هنا ولا إيه
نزع عنه رابطة عنقه وراح يحل أزرار قميصه المتعرق والذي جعل أنفه ينفر من رائحة جسده غير اللطيفة ليبدأ في المشي بروية تجاه غرفته وجد زوجته ترتدي ثياب العمل وجالسة على طرف الفراش وكأنها في انتظاره ألقى نظرة سريعة على تعبير وجهها الغائم قبل أن يسألها
في إيه مالك ضاربة بوز على الصبح كده ليه
لم تنبس بكلمة فأولاها ظهره وخلع عنه قميصه متابعا كلامه إليها
الناس لما بيشوفوا بعض بيقولوا صباح الخير مش يدوا وش النكد ده
حينئذ نهضت واقفة وسألته في تحفز
مهاب إنت مش فاكر عملت إيه إمبارح لما رجعت!!
حانت منه نظرة جانبية غير مهتمة وهو يكمل نزع ثيابه غير النظيفة بالتدريج سحب من الرف ثيابا مرتبة تركها على طرف الفراش واستعد للذهاب إلى الحمام للاغتسال لحقت به تهاني عندما طال تجاهله لها مرددة في صوت شبه مرتفع وغاضب
إنت طلقتني!
التف كليا تجاهها وهتف في صدمة غريبة
نعم
أخبرته في حړقة ووجهها قد أصبح أكثر حمرة
أيوه طلقتني ودي المرة التالتة!
سكت قليلا كأنما يحاول استحضار ما دار بالأمس على عكسها كليا كان باردا في رده
أكيد إنتي استفزتيني ما أنا عارفك.
لم تصدق اتهامه المغيظ ودافعت عن نفسها بشدة فاستطردت قائلة
والله ما حصل ومصدقت تطلقني.
اكتفى بهز رأسه فاشتاطت ڠضبا لاستهانته بهذه المسألة الحرجة وسألته في إلحاح
إيه العمل دلوقتي
استل منشفة نظيفة من أحد الأدراج وعقب
سبيني أفكر.
ظلت تستجديه في توتر خائڤ
أنا عملت كل اللي طلبته مني وراضية بأي حاجة بس أرجوك اتصرف أنا مقدرش أبعد عن ابني أو أسيبه!
ضجر من إلحاحها المزعج فنهرها في جفاء
يوووه اخرسي بقى وكفاية دوشة قولتلك هشوف حل...
كادت تتوسله مجددا لكنه طردها من الحمام بأمره الذي لا يرد
اطلعي برا خليني أخد دش!
انسحبت في الحال مستجيبة لأمره صاغرة لعلها بذلك تسترضيه ولسان حالها يدمدم پقهر بين جنبات نفسها
منك لله يا مهاب ضيعت كل حاجة حلوة حلمت بيها في حياتي معاك!!
مثلما اعتاد أن يفعل في كل مرة
هاتفه ليلتقي به على انفراد وبعيدا عن الأعين
المتطفلة في مكتبه بالمشفى الخاص حتى يعلمه بما طرأ من مستجدات تخص علاقته بزوجته. افترت شفتا ممدوح عن دهشة مصډومة لينطق بعدها مذهولا
التالتة!
وكأن في ذلك طرفة لطيفة نوع من الانتصار الزهيد ضحك مهاب في تسلية ثم قال بهدوء مستمتع وهو يملأ حقيبته الجلدية ببعض الأوراق والملفات
تخيل ومكونتش دريان.
سأله ممدوح مستفهما في قدر من الفضول ونظراته تتابع ما يفعله باهتمام
طب هتعمل إيه دلوقتي
نظر ناحيته وعقب
مش عارف بس هحاول أشوف حل لما أرجع من السفرية دي.
لم يكن على علم مسبق بسفره المفاجئ فسأله ليستعلم أكثر عنه
رايح فين
أعطاه جوابا مباشرا
فؤاد باشا بيرتب لحاجة جديدة وعاوزني أكون موجود جمبه.
مط فمه معلقا
بيزنس جديد كويس.
اتجه مهاب نحو باب غرفة مكتبه واستطرد متهيئا للمغادرة
يدوب ألحق أروح المطار.
قبل أن يدير بيده مقبض الباب استوقفه ممدوح بسؤاله المريب
والمدام عندها خبر
التف برأسه قليلا للجانب لينظر إليه وقال في شيء من العجرفة
لأ طبعا أنا مش مستني إذنها.
تابع أسئلته إليه باستفهامه التالي
بس لو سألت عليك!
حلت ابتسامة ساخرة على زاوية فمه قبل أن يرد
ابقى قولها إني سافرت.. سلام.
شيعه بنظرة ناقمة قبل أن يقول
مع السلامة!
استغل الفرصة التي واتته على طبق من ذهب الاستغلال الأمثل وشرع في ملء نفسها بالأحقاد والعداء تجاه من غدا طليقها عندما أتى لزيارتها في منزلها بحجة إطلاعها على سفر رفيقه المعد مسبقا فاستعرت كليا وأصبحت على شفير الانفجار من هول ما تحملته معه. تشنجت تعبيرات وجه تهاني وصارت عيناها أكثر احتقانا وهي تخاطب ممدوح بزفير محموم
الجبان! ولا كأنه عمل مصېبة!!
راقب ردات فعلها بهدوء الصياد الماكر كان يعرف جيدا كيف يجعلها تتلوى من الألم والۏجع دون أن يمسها ووقعت الأخيرة في الفخ فاسترسلت في البوح بما يتأجج به صدرها وقد انخرطت في نوبة من البكاء المرير
سابني أنا لواحدي تتحرق أعصابي وهو مش في دماغه وأنا هفرق معاه في إيه!!
لم يبذل أي مجهود في زيادة جرعات ڠضبها وعلق برأس شبه منكس
إنتي عارفة طبع مهاب.
بدت غير متحرجة من البكاء أمامه بل واعترفت له بندم حقيقي
كانت أكبر وأسوأ غلطة في حياتي يا ريت ما وافقت على ارتباطي بيه!
من على بعد لمح ممدوح طفلها مقبلا عليهما فحذرها بصوت خفيض
خدي بالك ابنك جاي مافيش داعي يشوفك بالشكل ده.
في عجالة مسحت دموعها المنهمرة بظهري كفيها وأخفت حزنها العميق خلف بسمة متسعة ألصقتها بوجهها ثم هبت واقفة لتستقبله في أحضانها وهي تناديه بحنان أمومي فياض
أوس حبيبي.
كان الصغير متكدر الملامح قليل الكلام استخبرت منه عن أحواله فسألته باهتمام واضح
عملت إيه في المدرسة
جاوبها الصغير باقتضاب ونظراته الڼارية اتجهت ناحية ممدوح
كويس.
لاحظ الصغير ذلك الاحمرار الغريب الذي يكسو حدقتيها فسألها
مالك
رفرفت بأهداب جفنيها متمتمة في ارتباك محسوس بصوتها
أنا بخير يا حبيبي متقلقش عليا.
تعذر عليها التورية ببراءة عما يعتريها خاصة مع ذلك الخاطر السريع الذي راود عقلها بشأن احتمالية حرمانها من رؤية فلذة كبدها لم تكن لتتحمل مطلقا خسارته اختنق صوتها فجأة وغص صدرها بالبكاء فاستأذنت بتوتر
هروح أغسل عيني لأحسن اتطرفت وراجعة تاني...
ثم منحت صغيرها قبلة رقيقة على وجنته قبل أن تطلب منه بلطافة
خليك إنت مع عمو ممدوح شوية.
جمد أوس عينيه الحادتين على وجهه وضاقتا بشكل محلوظ متحفز والأخير يخاطبه
أهلا يا ابن ال .. باشا.
ضغط على كملته الأخيرة ونطقها بشكل يوحي بالإهانة قبل أن يتابع بغير صوت لكن نظراته إليه أكدت تبادل نفس الشعور التلقائي بينهما بالنفور
تعرف أنا لله في لله مش بطيقك.
كان
صوته الداخلي يتكلم بما يكنه له حقا
إنت الدليل الحي على إن أبوك
دايما أحسن مني حتى في الۏساخة!
كز على أسنانه وبدا صوت همهمته غير واضحة حين أنهى حديث نفسه العابر
مسيره في يوم هيقع وهيكون مكانه تحت رجلي.
تنبه لقدوم تهاني حينما خاطبت ابنها
يالا يا أوس عشان تغير هدومك.
ظل ممدوح مكللا بصمته المستريب مما استحث تهاني على سؤاله بتحرج مع ملاحظتها لتبدل تعابيره لشيء غير مفهوم لها
هو ضايقك ولا إيه
في سلاسة وخبرة استطاع أن يبدد ما يجوس في نفسها من شكوك وابتسم في وداعة نافيا ما استشعرته
لأ إنتي بتقولي إيه بس!!
ابتسامته كانت متمرسة مخادعة وهو ما زال يخبرها كڈبا
ده أنا بحبه جدا فوق ما تتخيلي كأنه ابني بالظبط!
مضى وقت طويل على آخر مرة اجتمعا فيها معا لذا كان لقائهما ممتدا ومشحونا بالحديث عن العديد من المشروعات الهامة. كان الأمر الأخير المطروح على طاولة نقاشهما ذلك التعاون الجديد مع واحد من الشركاء الأقوياء ممن برز اسمه على ساحة رجال الأعمال مؤخرا رغم التحفظات التي تحيط بتضخم مصادر ثروته. بدا مهاب معترضا على محاولة الدمج بين الشركتين وأخبر والده بتخوفه من الخوض فيه
احنا مش محتاجين ده يا باشا! ومش ضامنين الشريك الجديد يعمل معانا إيه وخصوصا إنه مش سهل.
تفاهم معه فؤاد موضحا أسبابه بقدر من المنطقية
بس للأسف الوضع اليومين دول مش مبشر ده كفاية المشاكل اللي عملها سامي وورطنا فيها وخلانا نخسر جزء مش قليل من راس المال.
رغم تحفظه على اختياره لتولي أعمال العائلة منذ البداية إلا أنه لم يظهر اعتراضه عليه آنئذ لكن صمته هذه المرة سيكبد أسرته المزيد من الخسائر الفادحة لهذا تحدث بصراحة مطلقة
إنت عارف إنه مش أد الشغل التقيل يا باشا ودايما متسرع فأنا مش هقبل إنه يفضل مكمل بطريقته الفاشلة.
رد عليه والده في أسف
كنت عاوز أبعده عن طريقك بس الظاهر حسبتي كانت غلط.
تفهم موقف أبيه وتداركه في الحال
ماتقولش